الغريب أن ما كنا نراه خيالًا… أصبح خيارًا يوميًا.
هل يُعقل أن يفضل الإنسان الحديث مع آلة… على أن يواجه بشرًا مثله؟
عاد النقاش حول حضور الذكاء الاصطناعي في تفاصيل حياتنا اليومية، مع ازدياد المؤشرات التي تكشف أن كثيرًا من المستخدمين باتوا يفضلون التحدث مع روبوتات المحادثة في مواقف محددة، بينما يتمسك آخرون بوجود العنصر البشري في مجالات يرونها أكثر حساسية. وبين هذين الموقفين، تظهر أسئلة جديدة حول ما نبحث عنه فعليًا عندما نتواصل: السرعة؟ الدقة؟ أم مساحة آمنة لا نحاكم فيها؟
في قطاع خدمة العملاء، تبدو الصورة ملتبسة. فبينما يرى قادة التكنولوجيا، مثل سام ألتمان، أن هذا القطاع قد يصبح “من الماضي”، تشير الدراسات إلى واقع أكثر تعقيدًا. فقد تراجع التوظيف في مراكز الاتصال منذ 2022، لكن الشركات التي حاولت الاعتماد على الأتمتة الكاملة اضطرت إلى التراجع وإعادة البشر إلى الواجهة. ليس لأن التقنية قاصرة فقط، بل لأن العملاء ما زالوا يثقون بالبشر أكثر… حتى إن موظفي الخدمة باتوا يقضون وقتًا في إقناع المتصلين أنهم ليسوا روبوتات.
أما في المقابلات الوظيفية، فتأتي المفاجأة من الجانب الآخر؛ إذ أظهرت تجارب في الفلبين أن روبوتات المحادثة الصوتية قدمت أداءً أكثر انضباطًا، وجمعت معلومات أدق، بل وفضّل المتقدمون التحدث إليها بدلًا من محاور بشري.
ويزداد المشهد تعقيدًا في الصحة النفسية. فالكثيرون يفضلون مناقشة مشكلاتهم العاطفية مع روبوتات الذكاء الاصطناعي، لما تمنحه من مساحة آمنة وخالية من الأحكام. ورغم النتائج الإيجابية، إلا أن حالات نادرة وخطرة من الذهان المرتبط بالذكاء الاصطناعي إلى انتحار مراهق تذكر بأن هذا المجال يحتاج ضوابط أشد.
وبين كل هذه التناقضات يبقى السؤال: هل نثق بالآلة لأنها تفهمنا؟ أم لأننا نعتقد أنها لا تحكم علينا؟
وإلى أي مدى سيظل البشر جزءًا من محادثاتنا اليومية… قبل أن تتحول الروبوتات إلى الخيار الطبيعي الأول؟